مزاجك اليوم: بسم الله والحمد لله الوصلاة والسلام على رسول الله
هذا سؤال أجاب عنه الدكتور الصادق بن عبد الرحمن الغرياني ....
نقلته لما رأيت فيه من تفصيل في بيع التقسيط والذي يكثر السؤال حوله... وخاصة في وجود شركات تدعوا أنها تبيع بالتقسيط والواقع أنها حيلة على الربا
السؤال
ما حكم البيع بالتقسيط مع الزيادة في ثمن السلعة
إجابة السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. تعرض بعض شركات التسويق للسيارات وغيرها كالأثاث والمعدات سلعها بسعرين ؛ سعر معجل وسعر مقسَّط مؤجل ، وكثيرا ما يكون السعر المقسط أعلى من السعر المعجل ، وقد جوز جمهور الفقهاء في هذه الحالة للمشتري أن يختار الشراء بالسعر المقسط الأعلى ، لأن البيع بالتقسيط معناه البيع بالنسيئة والدين ، وهو جائز ، لما صح عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ : (اشْتَرَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ)، (البخاري حديث رقم 1990)، وبالقياس على بيع السلم الذي يؤجل فيه المثمون ، لأن الثمن في بيع التقسيط أحد عوضي البيع ، كالمثمون في بيع السلم ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (مَنْ أَسْلَفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) ، (مسلم حديث رقم 1604)، فهذا يدل على تأجيل الثمن في البيع . أما الزيادة في الثمن لأجل الأجل ، فمشروعة أيضا عند جمهور العلماء ، لأن البائع تجوز له الزيادة في الثمن ابتداء حتى لو لم يكن أَجَلٌ ، فالأجل لم يعطه زيادة في المال لم تكن من حقه ابتداء ، لذا شاع في أقوال الفقهاء : للأجل في البيع حصة من الثمن ، ففي بدائع الصنائع 5/224: (الثمن قد يزاد لمكان الأجل) ، وفي تبيين الحقائق 4/78: (يزاد على الثمن لأجل الأجل) ، وفي حاشية الدسوقي 3/165: (لأن له ـ أي للأجل ـ حصة من الثمن) ، وكذلك في شرح الزرقاني على خليل 5/176 بزيادة : (ويختلف قربا أو بعدا) ، وفي المجموع شرح المهذب 13/6: (الأجل يأخذ جزءا من الثمن) . لكن البيع بالتقسيط مع الزيادة وإن كان أصل حكمه الجواز ، فقد تقترن به شروط تحوله إلى عقد ربوي وتفصيل ذلك على النحو الآتي :
1 ـ إذا كان الشراء بالتقسيط مع زيادة الثمن دون (كمبيالات) أو أي أوراق مالية أخرى قابلة للخصم ، كالصكوك ، واقتصر البائع في توثقه في دينه على رهن أو كفالة ، فالأمر جائز ، إذ لا محذور فيه ، وله أن يجعل المبيع نفسه رهنا في ثمنه ، فيمنع المشتري من التصرف فيه ، على أنه مرهون إلى سداد جميع الأقساط .
2 ـ إن كان في البيع بالتقسيط بالإضافة إلى البائع والشاري وسيط ثالث وهو المصرف ، ولم يوقع الشاري (كمبيالات) أو أي أوراق مالية قابلة للخصم ، وكان دور المصرف فقط الخصم من حساب الشاري قيمة القسط ، وتحويلها إلى حساب البائع مقابل عمولة يأخذها المصرف على هذا التحويل ، فالمعاملة جائزة أيضا إذ لا محذور فيها ، والعمولة التي يأخذها المصرف هي أجرة على خدمة يقوم بها ، إذ ليس هو طرفا في المعاملة .
3 ـ إن كان البائع يطلب كمبيالات أو أي أوراق مالية قابلة للخصم ، وينوي البائع تقديمها إلى المصرف قبل حلول الأجل ، ليعطيه المصرف القدر المعجل من قيمتها فورا ، ويحتفظ بنسبة منها مقابل التأجيل إلى أن يتم سداد الأقساط إلى المصرف ، ويصير الشاري بذلك مدينا للمصرف ، بدل كونه مدينا للبائع ـ فإن المعاملة بهذه الصورة تكون معاملة ربوية من ربا النسيئة لا تحل ، لأن العلاقة بين الشاري والمصرف تحولت إلى علاقة دائن ومدين ، وقيمة الأقساط التي يدفعها المدين (الشاري) إلى المصرف تزيد على القدر الذي دفعه عنه المصرف إلى البائع في خصم (الكمبيالات) .
4 ـ كذلك يمتنع البيع بالتقسيط لو كان البائع يأخذ جزءا مقدما من الثمن ، ويقسط الباقي على الشاري ليدفع له الأقساط من مرتبه عن طريق المصرف ، وفي الوقت نفسه يتفق البائع مع المصرف على أن يعجل له باقي الثمن المؤجل ، بسعر البيع من غير تأجيل ، فيصير الشاري مدينا للمصرف بهذا المعجل ، ليأخذ المصرف أزيد منه بمقتضى الأقساط ، فهذا أيضا ربا محرم . أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
المصدر / الموقع الرسمي للدكتور الصادق بن عبد الرحمن الغرياني