طفل آخر في العائلة.. غضب وغيرة تشتعل
بعض
الأطفال يتقبّلون المولود الجديد في العائلة بلا مشاكل. ولكن البعض الآخر
منهم، يثور غضباً ويتصرف بعنف، على الرغم من إعدادهم للحدث الجديد
واهتمام الأُم بهم. وقد يحاول بعض الأطفال ضرب أو عض الطفل الجديد. مثل
هذه التصرفات تزيد من أعباء الأُم المتعبة أساساً من الإهتمام بالمولود
الجديد، فتفقد صوابها وتحار كيف تتعامل مع مثل هذا النّمط من الأطفال.
من
الطبيعي أن يشعر الطفل بالغضب وحتى الغيرة من المولود الجديد. فهو يؤكد،
عن طريق الغضب، حصته في إهتمام الأهل به. ربّما لا يروق له إلحاق الضرر
بشقيقه أو شقيقته، لكنه ينجح في الحصول على إهتمام الأُم، حتى لو تم ذلك
بطريقة خاطئة. وعندما يُثير الطفل غضب الأُم يحصل على المزيد من اهتمامها.
ربّما
يكون السبب في شعور الطفل بالغضب نابعاً من عدم "استماع" الأُم، فعلياً،
لطبيعة غضب وغيرة طفلها، الذي أخذ يشعر بأن عالمه بدأ يتمزق وينهار من
حوله، وأن مكانته تراجعت إلى المرتبة الثانية بعد قدوم الطفل الجديد. لذا،
يحاول مقاومة هذا الإنهيار والدفاع عن مكانته بطرق تؤدي إلى مشاكل. وربّما
يكون السبب، اعتقاده بأنّه لم يكن مطيعاً وجيِّداً. لذا، قامت الأُم
باستبداله بطفل آخر. أو ربّما، ببساطة، لم يعجبه التغيير الذي طرأ على
المنزل ويحتاج إلى وقت لكي يتمكن من التكيّف معه.
إنّ
أفضل وسيلة للتغلب على غضب الطفل الأكبر من القادم الجديد تكمن في أن
تتأكد الأُم من أن طفلها يعرف فعلاً أنّها لا تزال تحبه، وأنّها لن تتوقف
عن حبه مهما ارتكب من أخطاء. قد يكون هذا الأم واضحاً للأُم، ولكن الطفل
الصغير لا يدركه إلا إذا أكدته له الأثم بالقول والفعل. لذا، عليها أن
تعانق طفلها كثيراً، وأن تخصص له بعضاً من الوقت، بعيداً عن المولود
الجديد، وأن تكرر على مسمعيه دائماً أنّها تحبه ولا يمكن أن تستبدله بأحد
أبداً، وأن تشكره لمساعدته لها أحياناً مهما كان نوع المساعدة.
على
الأُم أن تكون حذرة في كلامها. فإذا قالت لطفلها الغيور إنّه "كبير"، وإن
عليه ألا يتصرف كالصغار، فمن الممكن أن تزيد الأمر سوءاً، لأنّه قد يعجبه
أن يكون طفلاً. ولكن يمكنها أن تخاطبه كشخص كبير عندما تريد أن تبيّن له
مزايا أن يكون كبيراً. كأن تقول على سبيل المثال: "إنّ الطفل الكبير
يستطيع أن يأكل الشوكولاتة بينما الطفل الصغير لا يستطيع. الطفل الكبير
يستطيع ركوب الدراجة بينما الطفل الصغير لا يستطيع". ولكن على الأُم أن
تلح على فكرة أنّ الطفل الكبير لا يتشاجر أو يبكي أو يلقي بالأشياء أرضاً
عندما يغضب.
عندما
يتأكد الطفل أنّه شخص متميّز لدى أُمّه، فقد يتوقف عن التصرفات العنيفة،
أمّا إذا لم تخف حدة تصرفاته أو بدأت تتحول إلى عادة، فعلى الأُم أن تحاول
وضع طفلها في حضنها وأن تتحدث معه عن القوانين المناسبة لجميع أفراد
العائلة، وأن تقول له إن من المفروض احترامها وتطبيقها. قد يقترح الطفل
بعضاً منها، إذ يستطيع الأطفال الصغار تحديد القوانين التي يعتقدون أنها
مهمة. وقد يكون من المفيد التحدث معه عن قوانين تناسب المولود الجديد.
على
الأُم حصر الكلام، بلطف، حول موضوعات مثل: "ممنوع الضرب"، لتساعد طفلها
على إدراك أنّ القوانين تنطبق على الطفل الجديد أيضاً، وعلى أي طفل آخر في
العائلة. عليها أن تشرح له أهمية إحترام القوانين العائلية، وأن تصغي إلى
أي تعليق من جانب طفلها مهما كان سلبياً، لأن على الأُم أن تُشعر طفلها
بأنّها دائماً إلى جانبه، وأنّها تهتم بمشاعره وبما يفكر فيه.
على
الأُم أن تسأل طفلها عن شعوره وعن سبب رغبته في ضرب الطفل الجديد. قد
يقول إنّه يريد سماع صوته وهو يبكي. على الأُم ألا تبدي دهشتها عند سماع
مثل هذا الجواب، فهذا رد فعل طبيعي. ولكن عليها مساعدته للتعبير عن مشاعره
الحقيقية: غيرة، غضب أو أي مشاعر أخرى، فقد تستطيع مساعدته على التوصل
إلى الإحساس بنوبة الغضب قبل أن تنتابه، فيتجنّب الإقدام على أي عمل يُؤذي
الطفل الجديد.
يمكن
أن تتفق الأُم وطفلها على شيفرة سرية لا يفهمها أحد غيرهما، يمكنها
إستخدامها عند محاولة إخراجه من الوضع الذي هو فيه. كما يمكنها أن تسأله
عندما تنتابه مشاعر الغيرة، إن كان يرغب في أن تعانقه. يجب أن يدرك الطفل
أن كل مشاعره مقبولة، ولكنه يحتاج إلى تعلّم الطريقة المناسبة للتكيّف
معها. قد ينفتح الطفل على الأُم أكثر ويصارحها بمشاعره عندما يحس بالغضب،
إذا عرف أن رأيه في المولود الجديد لا يُقلق الأُم، وأن مجرد شعوره بالغيرة
أو الغضب لا يعني أنّه شخص سيِّئ.
تستطيع
الأُم مُصاحَبة طفلها الأكبر في مشوار قصير، أو الذهاب معه إلى الحديقة
العامة وممارسة نشاط ما معاً، أثناء نوم الطفل الجديد. كما يمكنها أن تصطحب
معها أحد الأقارب أو الأصدقاء ليلعب مع طفلها، أو ليحملا الطفل الصغير،
لتتمكن هي من اللعب مع الطفل الأكبر سناً.
- طريقة التعامل مع الطفل الغيور:
بالتأكيد،
قبل أن تضع الأُم مولودها الجديد، عليها أن تخبر طفلها أنّه سيحصل على
شقيق رائع، يمكنه اللعب واللهو معه. ثمّ يأتي الطفل الصغير ويأخذ الطفل في
التساؤل: "هل تستهزئ أُمّي بي؟ هل يُعقل أنّ هذا الطفل صاحب الوجه الأحمر،
الذي يتلوّى باستمرار ويستحوذ على كل وقت الأُم، يفترض أن يسلّيني"؟ ثمّ
يروح يلعب مع الطفل الجديد بالطريقة الوحيدة التي يعرفها طفل في عمره، وهي
لعبة "الغمّيضة"، أو يلقي عليه الألعاب أو يعانقه بقوة. وكلها ألعاب من
الممكن أن تسبّب أذية المولود الجديد.
إنّ
هدف الأُم الأوّل في هذه الحالة هو حماية مولودها الجديد. والهدف الثاني
هو تعليم طفلها الأكبر كيفيّة التعامل واللعب مع شقيقته أو شقيقه الجديد.
عليها أن تكلمه وتوجهه وترشده وتشجعه. وإلى أن تطمئن من جهة الطفل الأكبر،
عليها ألا تتركه وحده مع المولود الجديد.
عندما
يكون الأطفال معاً، على الأُم مراقبتهم باستمرار. فإذا لاحظت أنّ الطفل
الأكبر على وشك أن يُعامل الطفل الجديد بخشونة، أو أن يكون فظّاً معه،
عليها حمل الطفل الصغير وإلهاء الأكبر بأنشطة مختلفة: ألعابه، القراءة،
الرسم... إلخ. بهذه الطريقة، تحمي الأُم طفلها الصغير، وتتجنب ترداد قول
كلمة "لا" باستمرار للطفل الأكبر، وهو ما يثير غضبه ويدفعه إلى التصرف
بعدائية ويزيد من غيرته.
على
الأُم أن تُعلّم الطفل الأكبر كيفية التربيت على ظهر شقيقه الجديد بلطف
من دون أن يؤذيه، وأن تبيّن له أنّ هذه اللمسة الحانية تريح الطفل الصغير
وتُشعره بالأمان. وإذا أنجز الطفل الأكبر مهمته بنجاح، عليها أن تمتدح
عمله. فهذا يعلمه كيفية التعامل جسدياً مع شقيقه وملامسته من دون أن يتسبب
في أذيته.
كلما
رأت الأُم الطفل الأكبر يضرب شقيقه أو شقيقته، أو يتعامل معه بخشونة،
عليها أن تتصرف بسرعة. يمكنها أن تقول له بحزم: " ممنوع الضرب"، ثمّ تلجأ
إلى "الوقت المستقطع" بأن تضعه في الزاوية مدة لا تزيد على خمس دقائق، حسب
عمره، وأن تفهمه أنّه لا يستطيع مغادرة مكانه إلا إذا توقف عن إستخدام
يديه بطريقة مؤذية. وهذا لا يعتبر عقاباً. إنّه مجرد وسيلة لمساعدة الطفل
على تعلم أنّه من غير المسموح له التصرف بخشونة مع شقيقه أو شقيقته.
على
الأُم ألا تلقي اللوم دائماً على الطفل الجديد. مثلاً، أن تقول للطفل
الأكبر: "لن نستطيع الذهاب إلى الحديقة، المولود الجديد نائم". أو: "لا
تُصدر صوتاً، ستوقظ الطفل الجديد"، لأنّ هذا سيدفع الطفل الأكبر إلى إيذاء
شقيقه عند أوّل فرصة تسنح له لينتقم لنفسه منه. لذا، يمكنها أن تلجأ إلى
أعذار أخرى، مثل: "أنا مشغولة الآن" أو سنذهب بعد الغداء" أو سأساعدك بعد
دقيقة أو دقيقتين".
على
الأُم أن تعترف بمشاعر طفلها الأكبر التي لا يفصح عنها، بالقول له مثلاً:
"بالتأكيد تغيّرت الأشياء كثيراً منذ ولادة الطفل الجديد. نحتاج جميعاً
إلى وقت حتى نعتاده". يجب أن تحرص الأُم على أن تكون تعليقاتها لطيفة
وعامة، وألا تقول مثلاً: "أنا واثقة بأنك تكره الطفل الجديد". بدلاً من
ذلك يمكنها القول: "بالتأكيد، إنّه ليس سهلاً عليك أن تمضي أُمّك معظم
وقتها مع الطفل الجديد". أو "أراهن على أنّك ترغب في الذهاب إلى الحديقة
الآن، وألا ننتظر إلى حين استيقاظ الطفل الجديد". فعندما يعرف الطفل أنّ
أُمّه تتفهّم مشاعره، ستقل حاجته إلى التصرف بعنف لكي يلفت إنتباهها.
على
الأُم أن تتجنب المقارنة بين الأطفال، حتى حول بعض الموضوعات التي يبدو
ظاهرها بريئاً، مثل الكلام عن وزن كل منهم عند الولادة، أو متى بدأ كل منهم
يزحف أو يمشي، أو مَن كان في رأسه شعر أكثر.. إلخ. فقد يفسر الأطفال هذه
التعليقات على أنّها إنتقادات.
يُعبّر
الطفل عن غيرته بطرق مختلفة، فيتصرف معظم الوقت بعدائية مع شقيقته أو
شقيقه الصغير أو مع الأهل، من دون سبب واضح ومحدد. وأحياناً، يتسلح الطفل
بأعذار واهية وسخيفة، فيثور غاضباً ويأخذ في ضرب أي شخص يقف في طريقه أو
يعضه أو يسبه ويلعنه أو يشد شعره، حتى رفيقه في اللعب لا ينجو من غضبه
الناجم عن الغيرة. وأحياناً، يجد صعوبة في التكيف مع المجتمع ويقوم بتصرفات
سيِّئة: يرفض بشدة الذهاب إلى المدرسة والإشتراك في الأنشطة والرحلات
المدرسية، كما يرفض المشاركة في أي أنشطة إجتماعية. يرفض الأكل بشدة ويعاني
فقدان الشهية، فيخسر من وزنه دائماً. وغالباً ما يختار أصنافاً غريبة من
الطعام. يعاني إضطرابات في النوم، ويرفض الذهاب إلى السرير، ويجد صعوبة في
النوم، يستيقظ من نومه في الليل، يطلب النوم في سرير الأُم، وأحياناً
كثيرة يبول في فراشه.
يلوث ثيابه الداخلية في النهار، يتكلم ويبكي كالطفل الصغير، ويقلد تصرفات الطفل الصغير، أو يتظاهر بالمرض، وغالباً ما يمرض فعلياً.
إنّ
أي تصرف سيِّئ يقوم به الطفل، هدفه لفت إنتباه أُمّه المشغولة معظم الوقت
بالطفل الجديد، الأمر الذي يثير غيرته. وقد يقوم أحياناً بمثل هذه
التصرفات متعمداً.
- كيفية التعامل مع الغيرة:
على
الأم أن تسأل طفلها عن مشاعره، وأن تفهم منه أسباب شعوره بالغضب أو
الغيرة. وعليها ألا تقلل من قيمة مشاعره والإستخفاف بها، بل عليها أن
تتفهمها وتأخذها بعين الإعتبار مهما بدت سخيفة في نظرها. على الأُم أن تسأل
طفلها عن رغباته، وأن تحاول تحقيقها له إذا كانت ضمن المعقول. ولكن عليها
ألا تحاول ورشوته كلما أحدث تصرفاً غير لائق.
على
الأُم أن تشجع الطفل الأكبر على أن يكون ودوداً مع شقيقه أو شقيقته، وأن
توضح له أنّ المولود الجديد سيصبح رفيقه في اللعب عندما يكبر. لذا، يجب أن
يقاسمها مسؤولية الإعتناء به، إن كانت سنّه تسمح بذلك. عليها أن تطلب منه
أن يُطعم الطفل وأن يلعب معه وأن يحاول تهدئته إذا بكى. فالأطفال يشعرون
بالسعادة عند إشراكهم في مثل هذه الأعمال. على الأُم أن تشرح لطفلها أن
متطلبات الطفل الجديد تكون كثيرة في البداية، نظراً إلى أنّه لا يزال
صغيراً، وأنّها كانت تعتني به بالطريقة نفسها عندما كان في مثل عمره.
وعليها أن تؤكد له أن حبها له لم يتغير، وأنّها في إمكانها أن تحبه وشقيقه
أو شقيقته بالقدر نفسه، وأن لكل منهما مكانة خاصة في قلبها، وعليها أن
تبرهن على حبها له بالمعانقة والإهتمام الزائد.
- مساعدة الطفل على التحكم في الغيرة:
بدايةً،
على الأُم أن تقول لطفلها، إن شعوره بالغيرة أمر طبيعي، وأنّها تعرف ما
معنى أن يغار الطفل، لأنّها هي نفسها كانت تغار عندما كانت صغيرة. ثمّ تبحث
معه الوضع الذي أثار غيرته، وأن تحاول مساعدته على التغلب على الوضع قبل
أن تزداد الأمور سوءاً. أحياناً، يشعر الطفل الأصغر بالغيرة من شقيقه أو
شقيقته الأكبر، لأنّه يملك مساحة أكبر من الحرِّية والإمتيازات التي لا
يملكها هو. على الأُم في مثل هذه الحالة، أن تبيّن لطفلها أنّه سيصبح
قادراً على إمتلاك الإمتيازات نفسها، عندما يصبح في سن شقيقه. قد يشعر
الطفل بالغيرة من طفل آخر في المدرسة، لأنّه يملك ألعاباً ليس لديه مثلها.
هنا، على الأُم أن تبيّن له الأسباب، وقد تُدهَش لتفهّم الطفل الأمر
وتقبّله.
في
جميع الأحوال، على الأُم أن تكون حازمة بشأن القوانين المتعلقة بالمنزل.
عليها ألا تتنازل أمام طفلها إذا اشتكى من موضوع يثير غيرته. وإلا، قد
يتعلم الطفل التلاعُب بالأيام وبقوانينها في الأغلب.